الاثنين، 30 أبريل 2012

حوار بين أينشتاين و طاغور






كيف يمكن أن يكون مستوى ألحوار بين شخصين عظيمين لكل منهما كان نبوغه ألخاص ألمتميز ,
فالأول هو ألبرت أينشتين ألذي قلب رأسآ على عقب ألافكار ألسائدة حول ألفيزياء وألكون وكانت له آراؤه ألصادمه في ألعلم وحتى ألفلسفه وألدين, أما مُحاورِه فهو رابندرانات طاغور ألفيلسوف وألشاعر وألفنان ألهندي .
أنه لمن ألمفيد تعريف مختصر للمتحاورين تساعد في فهم خلفية وشخصية كل منهما :


ألبرت أينشتاين (Albert Einstein) (و.14 مارس 1879 - 18 ابريل 1955). عالم في الفيزياء النظرية، ولد في ألمانيا، وحصل على الجنسيتين السويسرية و الأمريكية، يهودي الأصل غير متدين. يشتهر أينشتاين بانه واضع النسبية الخاصة و العامة  الشهيرتين اللتان حققتا له شهرة إعلامية منقطعة النظير بين جميع الفيزيائيين. حاز في العام 1921 على جائزة نوبل في الفيزياء.
 كان أينشتاين يعتقد بـ "الإله الذي يتناغم مع كل ما هو موجود في الكون لا الإله الذي يتدخل بأقدار وتصرفات الإنسان"! وفي سؤالٍ مباشرٍ عن أقرب الأديان إلى معتقداته، أجاب أينشتاين بأنها "البوذية". ألبرت أينشتين كان يهودي الديانة و المذهب و هرب ضمن الذين هربوا من الهولوكوست (المحرقة) التي أباد بها النازي الألاف.







مختارات من أقوال أينشتاين


  • الشيئان الذان ليس لهما حدود، الكون و غباء الإنسان، مع أني لست متأكدا بخصوص الكون.
  • أهم شيء أن لا تتوقف عن التساؤل.
  • أجمل إحساس هو الغموض، إنه مصدر الفن والعلوم.
  • كل ما هو عظيم وملهم صنعه إنسان عَمِل بحرية. 
  • لا يمكننا حل مشكلةٍ باستخدام العقلية نفسها التي أنشأتها.
  • كل الديانات، الفنون والعلوم متفرعة على نفس الشجرة. 
  • بين الماضي والحاضر والمستقبل ليس هناك سوى وهم في تفكير العقل البشري..إذا لاحظتم أن - الأوقات الحزينة نشعر بها انها طويلة بينما الايام الفرحة تمر كالدقيقة- وهذه هي النسبية.
  • العلم بدون علم أعرج، والدين بدون علم أعمى.
  • الحقيقة ليست سوى وهم، لكنه وهم ثابت. 


    
        رابندرانات طاغور  
ولد رابندرانات في كالكوتا في الهند في السابع من مايو عام 1861 لأسرة ميسورة من طبقة البراهما الكهنوتية. والده رابندرانات طاغور كان مصلحا اجتماعيا ودينيا معروفا وسياسيا ومفكرا بارزا.

لم ينتظم طاغور في أي مدرسة فتلقى معظم تعليمه في البيت على أيدي معلمين خصوصين, وتحت إشراف مباشر من أسرته, التي كانت تولي التعليم والثقافة أهمية كبرى. اطلع طاغور منذ الصغر على العديد من السير ودرس التاريخ و العلوم الحديثة وعلم الفلك و اللغة السنسكريتية, وقرأ في الشعر البنغالي ودرس قصائد كاليداسا, وبدأ ينظم الشعر في الثامنة.
  
قدم طاغور للتراث الإنساني أكثر من ألف قصيدة شعرية, وحوالي 25 مسرحية بين طويلة وقصيرة وثماني مجلدات قصصية وثماني روايات, إضافة إلى عشرات الكتب والمقالات والمحاضرات في الفلسفة والدين والتربية والسياسة والقضايا الاجتماعية, وإلى جانب الأدب اتجهت عبقرية طاغور إلى الرسم, الذي احترفه في سن متأخر نسبيا, حيث أنتج آلاف اللوحات, كما كانت له صولات إبداعية في الموسيقى, وتحديدا أكثر من ألفي أغنية, اثنتان منها أضحتا النشيد الوطني للهند وبنقلاديش.

14 حزيران 1930 في مزرعة إينشتاين
إينشتاين: هل تؤمن بإلهٍ مفارقٍ للعالم؟
طاغور: ليس مفارقًا. ذات الإنسان، التي لا تنضب، تَبلغ الكون. ما من شيءٍ تعجز ذات الإنسان عن بلوغه. هذا يثبت أنَّ حقيقة الكون حقيقة إنسانية.
لكي أوضِّح فكرتي سوف أستخدم حقيقة علمية. تتألَّف المادة من إلكترونات وبروتونات لا يوجد بينها شيء آخر، لكن يمكن للمادة أن تبدو متراصَّة دونما روابط في الجو تربط بين الإلكترونات والبروتونات المنفصلة عن بعضها بعضًا. على هذا النحو تمامًا، تتكوَّن البشرية من أفراد تربط بينهم علاقات متبادلة تعطي المجتمعَ الإنساني وحدةَ العضو الحيِّ. الكون برمَّته مرتبطٌ بنا، كذلك، ككائنٍ فرد. إنه كون الإنسان.
إينشتاين: في ما يتعلَّق بطبيعة الكون هناك تصوُّران مختلفان:
1- العالم بوصفه وحدة كليَّة تابعة للإنسان.
2- العالم بوصفه واقعًا مستقلاً عن العقل البشري.
طاغور: حين يكون كوننا في حالِ تناغمٍ مع الإنسان الخالد فإننا ندركه بوصفه حقيقة، ونشعر بمدى جماله.
إينشتاين: لكن هذا تصوُّرٌ إنسانيٌّ محض للكون.
طاغور: لا يمكن أن يكون هناك تصوُّر آخر. هذا العالم هو عالم الإنسان. التصوُّرات العِلمية عنه هي تصوُّرات العالِم. لذا لا وجود للعالَم في استقلالية عنَّا. عالمنا نسبي، وواقعيته رهنٌ بإدراكنا. هناك معيار ما للمعقول والرائع يعطي العالَمَ مصداقيته هو معيار الإنسان الخالد الذي تتطابق أحاسيسه مع أحاسيسنا.
إينشتاين: إنسانك الخالد هو تجسيدٌ لجوهر الإنسان.
طاغور: أجل، الجوهر الخالد. علينا أن نتعرَّفه عن طريق مشاعرنا وأعمالنا. سوف نتعرَّف الإنسان السامي الذي لا يتَّسم بالمحدودية التي هي صفة لنا. يعمل العلم على دراسة ما ليس محدودًا بالفرد المستقل، إنه عالم الحقائق البشرية اللاشخصية. يَبلغ الدين هذه الحقائق، ويُقيم روابط بينها وبين حاجاتنا الأعمق غورًا. إدراكنا الفردي للحقيقة يكتسب معنىً شاملاً. الدين يُكسب الحقيقة قيمةً، ونحن نبلغ الحقيقة عبر شعورنا بالتناغم معها.
إينشتاين: لكن هذا يعني أنَّ الحقيقة والرائع ليسا مستقلَّين عن الإنسان.
طاغور: ليسا مستقلَّين.
إينشتاين: هل لو أنَّ البشر انعدموا فجأةً لكفَّ أبولو عن أن يكون رائعًا؟
طاغور: أجل!
إينشتاين: أنا موافق على تصوُّرٍ كهذا للرائع، لكني لا أستطيع الموافقة على هذا التصوُّر للحقيقة.
طاغور: لِمَ لا؟ إذ الحقيقة تُدرك من خلال الإنسان.
إينشتاين: ليس بمقدوري إثبات صحة نظريتي لكن هذا هو ديني.
طاغور: الرائع يكمن في مثال Ideal التناغم الكامل المتجسِّد في الإنسان الكلِّي؛ الحقيقة هي الإدراك الكامل للعقل الكلِّي. نحن، الأفراد، نقترب إلى الحقيقة، مرتكبين أخطاءَ صغيرة وكبيرة، وعبر مراكمة الخبرة وتنوير عقولنا، وإلاَّ فبأيِّ شكلٍ آخر يمكننا إدراك الحقيقة؟
إينشتاين: لا يمكنني إثبات وجوب اعتبار الحقيقة العلمية حقيقةً مستقلَّةً كليًا عن الإنسان، لكنني مقتنع بهذا بقوة. نظرية فيثاغورث في الهندسة تثبت أمرًا صائبًا تقريبًا، مستقلاً عن وجود الإنسان. على أيِّ حال، إذا كان هناك واقعٌ مستقلٌّ عن الإنسان فيجب أن تكون هناك حقيقة تعكس هذا الواقع، وإنَّ نفيَّ الأول يجرُّ خلفه نفي الأخيرة أيضًا.
طاغور: الحقيقة المتجسِّدة في الإنسان الكلِّي يجب أن تكون إنسانية من حيث الجوهر، إذ، في الحالة المعاكسة، كلُّ ما يمكننا، نحن الأفراد جميعًا، إدراكه لا يجوز أن نسمِّيه "حقيقة"، على الأقل الحقيقة العلمية التي يمكننا مقاربتها من خلال العمليات المنطقية، أي بوساطة جهاز التفكير الذي يُعدُّ عضوًا بشريًا. وفقًا للفلسفة الهندية، هناك براهما، الحقيقة المطلقة التي يستحيل إدراكها عن طريق عقل الكائن الفرد، ويستحيل وصفها بالكلمات. إنها تُدرَك فقط من خلال الاستغراق الكلِّي للفرد في اللامتناهي. لا يمكن نسب حقيقة كهذه إلى العلم. أما الحقيقة التي نتحدَّث عنها فلها طبيعة خارجية، أي هي عبارة عمَّا يعتبره العقل البشري حقيقيًا، لذا فإنَّ الحقيقة هي حقيقة بشرية. يمكن تسميتها "مايا" أو "الوهم".
إينشتاين: وفقًا لتصوُّرك، الذي قد يكون تصوُّر الفلسفة الهندية، نحن لا نتعامل مع وهمِ فردٍ بل مع وهم البشرية برمَّتها.
طاغور: في العلم نحن نلتزم بمنهج، ونطرح جانبًا كلَّ القيود الموضوعة على عقلنا الفردي، وعلى هذا النحو نصل إلى إدراك الحقيقة المجسَّدة في عقل الإنسان الكلِّي.
إينشتاين: المسألة هي: هل هذه الحقيقة رهنٌ بإدراكنا؟
طاغور: ما ندعوه "حقيقة" يكمن في التناغم العقلي rational بين المنحيين aspects الذاتي والموضوعي للواقع، اللذين ينتمي كلٌّ منهما إلى الإنسان الكلِّي.
إينشتاين: حتى في حياتنا اليومية نحن مضطرون إلى وصف أدوات الواقع التي نستخدمها، الواقع المستقلِّ عن الإنسان. ونفعل هذا لكي نقيم، بطريقة عقلانية، علاقة بين معطيات أعضاء حواسنا. هذه الطاولة، مثلاً، سوف تبقى في مكانها حتى لو لم يكن هناك أحد في البيت.
طاغور: نعم، لن تكون الطاولة في متناول العقل الفردي، لكنها ستكون في متناول العقل الكلي. الطاولة، التي أدركها [بالحواس]، يمكن أن يدركها عقل من نوعي أنا.
إينشتاين: يستحيل تفسير أو إثبات وجهة نظرنا الفطرية المتعلقة بوجود حقيقة مستقلَّة عن الإنسان، لكن الجميع يؤمنون بها، بمن في ذلك الناس البدائيون. إننا ننسب إلى الحقيقة موضوعيةً متعاليةً على الإنسان. هذا الواقع المستقلُّ عن وجودنا، وعن خبرتنا وإدراكنا، لا بدَّ منه لنا، على الرغم من أننا لا نستطيع أن نقول ما هو معناه.
طاغور: لقد أثبت العلم أنَّ الطاولة، بوصفها جسدًا صلبًا، ليست سوى مظهر. بالتالي؛ فما يدركه العقل البشري باعتباره طاولة ما كان له أن يوجد لولا وجود العقل البشري. في الآن ذاته، لا بدَّ من الإقرار بأنَّ الواقع الفيزيائي (المادي) البسيط للطاولة ليس سوى مجموعة من مراكز قوى كهربائية تدور منفصلةً، وبالتالي، هو أيضًا ينتمي إلى العقل البشري.
في سيرورة إدراك الحقيقة يجري نزاعٌ أبديٌّ بين العقل البشري الكلِّي والعقل المحدود للكائن الفرد المنعزل. عملية الإدراك المستمرة هذه تجري في عِلمنا وفلسفتنا وأخلاقنا. في كلِّ الأحوال، إذا كانت هناك أيُّ حقيقة مطلقة مستقلَّة عن الإنسان فسوف تكون عدمًا مطلقًا بالنسبة إلينا.
ليس من الصعب على المرء أن يتصوَّر عقلاً لا يتطور تعاقب الأحداث، بالنسبة إليه، في المكان بل في الزمان فقط، مثل تعاقب النغمات في الموسيقا. بالنسبة إلى عقلٍ كهذا، تصوُّر الواقع يماثل الواقع الموسيقي الذي، بالنسبة إليه، ليس هناك أي معنى لهندسة فيثاغورث. هناك واقع الورقة، البعيد بصورة لامتناهية عن واقع الأدب. بالنسبة إلى عقل العثِّ، الذي يتغذَّى على الورقة، لا وجود للأدب على الإطلاق، لكن الأدب، بالنسبة إلى عقل الإنسان، كحقيقة، يتمتع بقيمة كبيرة، أكبر بكثير من الورقة. على هذا النحو تمامًا، إذا كانت هناك حقيقة لا علاقة لها بالجانب العقلي أو الحسِّي للإدراك البشري؛ فسوف تبقى عدمًا ما دمنا كائنات تمتلك عقل إنسان.
إينشتاين: في هذه الحالة، أنا أكثر تديُّنًا منك.
طاغور: ديانتي تكمن في معرفة الإنسان الخالد، الروح الإنسانية الكلِّية، في كينونتي أنا شخصيًا. وقد كان هذا موضوع محاضراتي التي دعوتها "دين الإنسان".


ألمصادر:
مجلة بوهيميا مملكة ألحرف وألكلمة
ملتقى إبن خلدون للعلوم وألفلسفة وألادب
موسوعة ألمعرفة

هناك تعليقان (2):

عبدالعزيز رستم يقول...

أشكرك جدا أيها المهندس السيد زعرور على إطلاعنا على هذا الحوار الرائع الذي يمثّل برأي تحفة من الأدب الفلسفى المعاصر الذي أخذني بعمقه التاريخي إلى تخيّل قربه شكلا و نصا إلى مجالس إخوان الصفا في رسائلهم الملهمة حكمة أو مجالس العلم و مسامرات الأدب و الفكر في كتاب الإمتاع و المؤانسة لأبي حيّان التوحيدي أو إلى إحدى محاورات أفلاطون الحكيم حيث يتبدّى لنا فيها جدل أستاذه سقراط الضهيد الصّدّيق حيث يتباحث الأصدقاء المتآخون في الحق و في معرفة الحقيقة و كثيرا من الأمور الفلسفية و العلمية حول الكون و دورالأنسان و مصيره في الكون/الوجود و الذي ينظر في نص هذا الحوار الفلسفي يجد بحق قرب الرأي الذي يعرضه طاغور الشاعر الحكيم من مبدأ المثال عند أفلاطون لفهم الحقيقة المطلقة و مدى اندهاش أينشتاين في موقفه من هذا المبدأ الفلسفي في الفلسفة الهندية القديمة و فلسفة أفلاطون. وفقكم الله في صفحتكم الجميلة و المفيدة ! عبد العزيز رستم (
موثّق معلوماتي
E-Mail az_rustom@yahoo.de)

حسين زعرور Hussein Zaarour يقول...

شكرا سيد عبد العزيز على متابعتك وثعليقك